الغَش هو نقيض النُصح ، و هو نوع من أنواع الخيانة ، ذلك لأنه إخفاء للواقع و إظهار لخلافه بحيث لا ينطبق عليه ، و يتحقق الغَش بإخفاء العيب أو تزيينه بحيث لا يتعرَّف عليه الطرف الآخر .
و مما يؤسف له تفشي ظاهرة الغش و الخداع في الأسواق العالمية و كذلك الإسلامية بحيث لا تكاد سلعة أو بضاعة تسلم من تلاعب الغشاشين و تدليسهم ، فاليوم نجد أن الغش قد طال كل شيء بدأً بالخضار و الفواكه و اللحوم و وصولاً إلى الأدوية و المستحضرات الطبية ، بل وصل حتى إلى المدارس و المعاهد و الجامعات ، فهذه الجرائد و المجلات تتحدث كل يوم عن أنواع هذه الجرائم .
نماذج من الغش المحرم شرعاً :
1. الغش التجاري الذي يكون من خلال عرض البضائع بصورة مخالفة لأوصافها الواقعية ، كتقليد البضاعة الأصلية من حيث الاسم المشابه ، أو من حيث بعض الصفات الظاهرية ، و بيعها باعتبارها أصلية ، أو تدليس البضاعة الرديئة بحيث يتصورها المشتري بضاعة جيدة فيرغب في شرائها ، أو إخفاء العيوب الموجودة في البضاعة بحيث تظهر سليمة ، و بكلمة التلاعب في الأوصاف الواقعية للبضاعة بغرض التمويه على المشتري أو البائع في العوض أو المعوض .
و من نماذج الغش التجاري الكذب على المشتري بالنسبة إلى بلد الصنع ، كأن تكتب على البضاعة التايوانية أو الصينية أنها من صنع بلد آخر من شأنه أن يزيد في رغبة المشتري على شراء تلك البضاعة .
2. الغش في الامتحانات و الاختبارات الفنية و العلمية بحيث تكون نتيجتها حصول الممتَحن على شهادات لا يستحقها ، و من ثَمَّ يكون قادراً على القيام بأدوار لا يملك حق ممارستها .
3. الغش في أنواع الانتخابات بغية الوصول إلى المناصب عن طريق الكذب و الاحتيال و التزوير كما يتفق اليوم بكثرة و نسمع و نقرأ كل يوم عن هذا النوع من الغش الكثير على كافة المستويات و الأصعدة .
إلى غيرها من وجوه الغش و الخداع .
و لقد نهت الشريعة الإسلامية عن الغش بشدة و أعتبرته خيانة عظيمة و خروجاً عن روح الإسلام .
و الأحاديث الشريفة المروية عن المعصومين ( عليهم السَّلام ) في بيان حرمة الغش و ذمِّه كثيرة جداً نُشير إلى نماذج منها كالتالي :
1. قال أمير المؤمنين علي ( عليه السَّلام ) : " شر الناس من يغش الناس " [1] .
2. روي عن الإمام أبي عبد الله الصادق ( عليه السَّلام ) أنه قال : قال رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) لرجل يبيع التمر : " يا فلان أما علمت أنه ليس من المسلمين من غشهم " [2] .
3. و رُوِيَ عن الإمام أبي عبد الله الصادق ( عليه السَّلام ) أنه قال : " ليس منا من غشنا " [3] .
4. و عن هشام بن الحكم قال : كنت أبيع السَابِريّ [4] في الظِلال ، فمرَّ بي أبو الحسن الأول موسى [5] ( عليه السَّلام ) ـ راكباً ـ فقال لي : " يا هشام إن البيع في الظِلال غش ، و الغش لا يحل " [6] .
5. و عن الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) عن آبائه ( عليهم السَّلام ) ـ في حديث المناهي ـ عن رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) أنه قال : " و من غش مسلما في شراء أو بيع فليس منا ، و يحشر يوم القيامة مع اليهود لأنهم أغش الخلق للمسلمين " .
6. و قال ( عليه السَّلام ) : " ليس منا من غش مسلما " [7] .
7. و قال ( عليه السَّلام ) : " و من بات و في قلبه غش لأخيه المسلم بات في سخط الله و أصبح كذلك حتى يتوب " [8] .
8. و قال أمير المؤمنين علي ( عليه السَّلام ) : " مرارة النصح أنفع من حلاوة الغش " [9] .
ثم إن أسوء أنواع الغش هو غش الحكام و المسئولين و العلماء و ولاة الأمر ، يقول الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السَّلام ) : " و إِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الْأُمَّةِ و أَفْظَعَ الْغِشِّ غِشُّ الْأَئِمَّةِ " [10] .
و في الختام نسأل الله عزَّ و جلَّ أن يطهرنا من كل أنواع الغش و الخداع و أن يجعلنا من الذين سلُمت قلوبهم من الغش ، كما قال أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) : " طوبى لمن خلا من الغل صدره و سلم من الغش قلبه " [11] .
و نقول : " اللهم صل على محمد و آل محمد و طهِّر قلبي من النفاق و صدري من الغش " [12] .[1] يراجع : غُرَرُ الحِكَم و دُرَرُ الكَلِم : 360 ، حديث رقم : ( 8150 ) ، لعبد الواحد بن محمد التميمي الآمدي ، المولود سنة : 510 هجرية ، و المتوفى سنة : 550 هجرية ، طبعة : مؤسسة الإعلام التابعة للحوزة العلمية بقم / إيران ، سنة : 1366 شمسية .
[2] وسائل الشيعة ( تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ) : 12 / 208 ، للشيخ محمد بن الحسن بن علي ، المعروف بالحُر العاملي ، المولود سنة : 1033 هجرية بجبل عامل لبنان ، و المتوفى سنة : 1104 هجرية بمشهد الإمام الرضا ( عليه السَّلام ) و المدفون بها ، طبعة : مؤسسة آل البيت ، سنة : 1409 هجرية ، قم / إيران .
[3] وسائل الشيعة : 12 / 208 .
[4] السَابِريّ : ضرب من الثياب الرقاق تُعمل بسَابُور موضع بفارس . يراجع : مجمع البحرين : 3 / 322 ، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي ، المولود سنة : 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق ، و المتوفى سنة : 1087 هجرية بالرماحية ، و المدفون بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية ، مكتبة المرتضوي ، طهران / إيران .
[5] أي الإمام موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السَّلام ) ، سابع أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
[6] وسائل الشيعة : 12 / 208 .
[7] وسائل الشيعة : 12 / 210 .
[8] وسائل الشيعة : 12 / 210 .
[9] غرر الحكم و درر الكلم : 227 ، حديث : 4604 .
[10] نهج البلاغة : 383 ، عهد الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لمالك الأشتر ، طبعة صبحي الصالح .
[11] غرر الحكم و درر الكلم : 67 ، حديث : 904 .
[12] مصباح المتهجد : 148 ، لشيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن حسن الطوسي ، المولود سنة : 385 هجرية بخراسان ، و المتوفى سنة : 460 هجرية بالنجف الأشرف ، طبعة مؤسسة فقه الشيعة ، الطبعة الأولى ، بيروت / لبنان .